تعكس هذه القصة أحد أبهى صور العدالة والشفافية في تاريخ الخلافة الإسلامية، حيث يظهر فيها حرص الخلفاء والصحابة على التحقق من الشكاوى، ومحاسبة المسؤولين مهما علت منزلتهم.
📍 تعيين سعد أميرًا على الكوفة
عندما تولّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة، عيّن الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه واليًا على مدينة الكوفة، وهي من المدن الجديدة التي جمعت بين مختلف القبائل والأعراق. ورغم مكانة سعد العالية، كونه من أوائل المسلمين ومن العشرة المبشرين بالجنة، إلا أن بعض أهل الكوفة شكوه إلى أمير المؤمنين.
بلغت الشكوى حد الادعاء أن سعد "لا يُحسن الصلاة بهم"!
📨 استدعاء للتحقيق
لم يتجاهل عمر رضي الله عنه الشكوى، رغم معرفته بمكانة سعد، بل استدعاه إلى المدينة ليستمع منه شخصيًا.
فقال له:
"يا سعد، إن أهل الكوفة قد شكوك حتى قالوا إنك لا تُحسن الصلاة!"
فرد سعد بثقة:
"والله، إني لأُصلي بهم كما كان يُصلي رسول الله ﷺ، لا أنقص منها شيئًا."
وأوضح أن اعتراضهم كان على صلاة العشاء، حيث كان يُطيل الركعتين الأوليين ويُخفف الأخيرتين.
فقال له عمر:
"ذاك الظن بك يا أبا إسحاق."
ومع أن عمر كان يثق به، إلا أنه أراد أن يتحقق بنفسه، كونه يتحمل مسؤولية الأمة.
🗣 استطلاع آراء الناس
أرسل عمر رجالًا من ثقاته إلى الكوفة ليسألوا عن سعد في المساجد. فكان كل من سُئل عنه يثني عليه خيرًا، حتى وصلوا إلى مسجد بني عبس، فقام رجل وقال:
"إن سعدًا لا يخرج معنا إلى الجهاد، ولا يقسم بالسوية إذا غنم، ولا يعدل إذا حكم."
ثلاث تهم خطيرة.
🛐 دعاء سعد على الرجل
لما بلغ سعد ما قاله ذلك الرجل، قال:
"اللهم، إن كان قال ذلك كذبًا وبهتانًا رياءً وسمعة، فإني أدعو عليك بثلاث:
أن تطيل عمره، وتزيد فقره، وتُعرّضه للفتن."
وقد استُجيبت دعوته:
فقد عُمّر هذا الرجل حتى تدلّت حاجباه على عينيه من شدة الكِبر، وأصابه فقر شديد، وابتُلي بالفتن، حتى إنه – مع كِبَر سنه – كان يتعرض للنساء في الأسواق ليغمزهن والعياذ بالله! وكان يقول:
"أنا شيخٌ مفتون، أصابتني دعوة سعد."
🧭 الدروس المستفادة
-
العدالة لا تستثني أحدًا، حتى وإن كان من أقرب الناس للنبي ﷺ.
-
التثبت من الشكاوى مسؤولية شرعية، وهو منهج الخلفاء الراشدين.
-
الافتراء له عواقب وخيمة، خصوصًا إذا طال الصالحين من عباد الله.
نسأل الله أن يرضى عن سعد بن أبي وقاص، وعمر بن الخطاب، وأن يلهمنا الاقتداء بعدلهم وأمانتهم.
إضافة تعليق جديد